أسامة داود يكتب : مديرة "سيمنس للطاقة" كما عرفتها

لم يكن خبر إعلان شركة "سيمنس" الألمانية عن تعيين ليلى الحارص مديرا تنفيذيًا لها فى مصر ، مفاجئا بالنسبة لى ، فقد تنبأت لها بأن تتبوأ أرفع المناصب خلال مرة واحدة التقيتها وأجريت معها حوارا منذ نحو ثلاثة أعوام . عرفت المهندسة ليلى الحارص”بحرف الصاد” عندما كانت تعمل مسئولة العمليات بشركة شل مصر سابقا ، ورأيتها تحمل - رغم ضآلة بنيانها - قوة الصخر وصلابة الفولاذ، صعدت أعلى البراريم فى وسط أمواج البحار وعاشت بين الأعاصير وأسماك القرش العملاقة وتلاطم الأمواج التى تشبه الجبال.   وقصة ليلى تبدأ من حيث كان يعمل والدها فى منظمة اليونسكو، وارتداء الفساتين وأحدث خطوط الموضة العالمية إلى فتاة ترتدى الأفرول الخشن، قررت أن تلقى بنفسها فوق ظهر حفار ــ أشبه بنقطة لا تُرى ولو عن قٌرب بالعين المجردة ــ تصارعها جبال من الأمواج، وتتراقص حولها أسماك القرش وكائنات أخرى متوحشة تنام فوق أسرّة جافة وحياة كلها عمل وشقاء لا ترفيه فيها سوى ممارسة بعض الرياضات والألعاب، لتعيش على بعد عشرات الأميال داخل البحر ولمدة تصل إلى 70 يومًا كتفًا بكتف مع أكثر من 300 رجل. وقالت شركة “سيمنس”، فى بيان لها، إن ليلى الحارص تولت العديد من المناصب التنفيذية العليا مما أكسبها خبرة دولية تزيد عن 21 عامًا فى قطاع الطاقة، خاصة فى قطاع البترول والغاز الطبيعى، وهو ما سينعكس على قيادتها للشركة من خلال منصبها الجديد. وليلى .. أميرة مصرية عاشت سنوات طويلة فوق حفار فى عرض البحر شاركت الرجال العرق والجهد فى مهنة من أشق الاعمال وهى استخراج البترول من على بعد الاف الامتار تحت أعماق قاع البحار. قبل ما يقرب 3 سنوات و20 شهرا و5 ايام وتحديدا فى أكتوبر 2019 التقيت بها وأجريت معها حوارا ، وجدتها فتاة مفعمة بالحيوية والنشاط ولكنها تتميز بهدوء الحكماء ، نحيلة متوسطة بين الطول والقصر تتناغم رقة وجهها الملائكى مع حلو الحديث ليمتزج كل ذلك مع عيون قرمزية بها عمق سحيق. لغة الوجه والجسد جعلتنى أتردد فى ان اتحدث اليها ، ربما ضلت الطريق من صالونات الهوانم الى مقر مؤتمر إيجبس مصر فى 2019 الذى يتحدث عن الارقام الجافة والمعادلات التى ترتبط بأذهان متقدة وخشونة فى مجالات تتعلق بالبترول بشقية الزيت الخام والغاز الطبيعى وكلاهما يرتبط بصحراء قاحلة أو على بعد آلاف الامتار تحت قاع البحار والمحيطات وصناعات أقل ما فيها هو الخطر القائم والدائم بإستمرار. جاءت كلماتها التى تشبه سيمفونية من العذوبة ولاكتشف أن للنعومة والرقة والعذوبة قوة تستطيع أن تدير محركات حفار عملاق على بعد مئات الكيلو مترات وسط المحيطات وأن للوجه الملائكى القدرة على الوقوف أمام أعتى الاعاصير والنوات.. وأن الفتاة الليدى تعيش داخل أفرول خشن وشعرها الحريرى متوجًا بخوذة من مضادة للصدمات ومع ملمس أناملها يزداد الحديد صلابة فى وجه الاعاصير. امتزجت كلمات المهندسة ليلى بالرقة والعذوبة وهى تسرد خطوات حياتها التى تجمع فى ثناياها كل التناقضات. تقول ليلى التى تختلط كلماتها العربية بلهجتها المصرية الخالصة باللغة الإنجليزية: تخرجت من كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، وتقدمت أثناء الدراسة فى السنة النهائية للالتحاق بشركة شل والتى كان بعض قيادتها فى زيارة للجامعة، فمنحونا فرصة الخضوع للاختبارات ونجحت فى اجتيازها، والتحقت بالعمل بها فى سلطنة بروناى بآسيا، عملت على بريمة فى عرض البحر وكان عمرى 23 سنة وبقيت لمدة 72 يومًا متصلة دون إجازة. كنت الابنة الأولى من ثلاث بنات لأسرتى، وكنا نعيش بالخارج، حيث عمل والدى بمنظمة اليونسكو، فقضيت حياتى حتى الثامنة عشرة من العمر خارج مصر، لكن الوالد أصر على أن أدخل الجامعة فى مصر لأكتسب اللغة العربية. بعد الالتحاق للعمل بشركة شل وجدت نفسى السيدة الوحيدة التى طلبت العمل على بريمة داخل البحر، بينما كان لى الاختيار أن أعمل بمقر إدارة الشركة فى أى من فروعها. كنت أريد العمل الصعب حتى أتعرف على طبيعة الحياة فوق منصة حفار فى عرض البحر.. وجدت أننى الفتاة الوحيدة التى تعمل على البريمة ومع عدد كبير من الرجال يصل عددهم إلى 300 رجل، كنت أشارك فى عمليات فحص وتحليل وتقييم العينات من الطبقات الجيولوجية. تعلمت كيف أتعامل مع رفع الأحمال بطريقة سليمة، قررت أن أعمل فى كل المجالات لأصبح على علم بكل شىء فى مهنة ربما هى من أشق المهن وفى حياة جافة وخشنة. فى الدول الأوروبية كان هناك فتيات يعملن، ولكننى كنت أنا المصرية الوحيدة التى تعمل فى البحر على بعد عشرات الأميال من الشاطئ. كان الجميع يقدرنى وكانوا إخوتى بمعنى الكلمة، يحرصون علىّ وعلى سلامتى، كنت أنا أشبه بالأخت المدللة لهم جميعًا.. وفى شل لم يكن هناك من يدخر جهدًا فى إكسابى كل المهارات والمعلومات المطلوبة، مما أهلنى لأن أعمل فى كل المجالات بداية من صعود البريمة انتقالاً الى تقييم عينات من الطبقات الجيولوجية وصولاً للمراقبة والمتابعة من داخل الكنترول وصولاً الى الادارة.. ثم انتقلت إلى سلطنة عمان، أبوظبى، أمريكا اللاتينية، البرازيل، وإنجلترا.. ذهبت إلى معظم دول العالم أعمل فى ظروف كانت غاية فى الصعوبة.. عملت صداقات كثيرة فى كل أنحاء العالم، والتقيت فى معرض ايجبس للبترول هذا العام مع اثنين من الزملاء القدامى. سألتها: كيف بدأت حياتك الأسرية وهل تأثرت بعملك فى البترول داخل البحار؟ أجابت ليلى بكلمات مغلفة بابتسامة: بالنسبة لحياتى التقيت بأحد الزملاء فى العمل، وهو من البرازيل ونتيجة لجدية الحياة التى اخترتها قررنا الزواج، وأنجبت ابنتى وأطلقت عليها اسم إيزيس حتى يكون معى اسم مصرى قديم، وهى أيضًا تريد أن تصبح مهندسة بترول.. فأنا مثلها الأعلى وتحضر معى إلى العمل فى أوقات كثيرة، والآن عمرها الآن 11 سنة . نصيحتى لكل الفتيات ألا يضعن لطموحهن حدًا، وأن ينطلقن فى تحقيق ذواتهن مع الالتزام بالتقاليد والأخلاقيات، وأن يكون العمل بالنسبة لهن عبادة، وأتوقع أن يتبوأ العنصر النسائى فى قطاع البترول المصرى مقاعد رئاسة شركات فى القريب العاجل.  

أسامة داود يكتب: حكاية ليلى من الفستان إلى الأفرول

سيمنس للطاقة تعين ليلى الحارص مديراً تنفيذياً للشركة بمصر